في عالم كرة القدم حيث تهيمن أضواء الدوريات الأوروبية على المواهب الإفريقية، تُشكِّل بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (CHAN) ظاهرة فريدة ومضيئة. ليست مجرد منافسة كروية عابرة، بل هي بيان هوية وتكريس لروح الكرة الخام التي تنبض في ملاعب القارة السمراء. انطلقت البطولة عام 2009 بمبادرة من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF)، لتحمل رسالة واضحة: إعادة الأضواء إلى المواهب المحلية التي تصنع مجد الأندية داخل بلدانها، بعيداً عن نجومية المحترفين في الخارج.
لماذا تُعدّ الـ CHAN تميمة الكرة الإفريقية الأصيلة؟
الهدف الأساسي الذي تنشده البطولة يتجاوز مجرد تتويج بطل:
- اكتشاف المواهب الخام: تشكل منصة لا مثيل لها لرصد المواهب التي لم تحظ بفرصة الاحتراف خارجيًا بعد.
- تنمية الدوريات المحلية: تحفيز الاتحادات والأندية على الاستثمار في بنيتها التحتية وبرامج تطوير اللاعبين.
- توحيد الهوية الكروية الإفريقية: إبراز الخصائص المميزة للكرة في كل منطقة من مناطق القارة.
- الارتقاء بالمستوى الفني: المنافسة الشديدة تدفع الفرق لتحسين أدائها وتبادل الخبرات.
رحلة الـ CHAN: من البذرة إلى الشجرة الوارفة
شهدت البطولة عبر نسخها الثمانية (حتى 2023) تطوراً ملحوظاً:
- النسخة الأولى (ساحل العاج 2009): فاجأ المنتخب الكونغولي الديمقراطية الجميع بالفوز باللقب، مؤكداً عمق المواهب في دوريه المحلي.
- سيطرة شمالية لافتة: توجت تونس (2011)، وليبيا (2014)، والمغرب مرتين (2018، 2020) بلقب البطولة، مما يعكس قوة وتنظيم الدوريات في تلك المنطقة.
- المغرب: سيد الـ CHAN: يُعدّ المنتخب المغربي أنجح فريق في تاريخ البطولة بحصوله على اللقب ثلاث مرات (2018، 2020، 2023)، وهو دليل على قوة الدوري المغربي "البطولة الاحترافية" واستثماره في المواهب المحلية.
- المنتخبات الصاعدة: مثل مالي (وصيفة 2016)، والسنغال (وصيفة 2023)، والسودان (وصيف 2011)، أثبتت أن المواهب المحلية منتشرة في كل أركان القارة.
الأثر الذي يتجاوز العشب الأخضر
تترك بطولة CHAN بصمات عميقة تتعدى نتائج المباريات:
- التماسك الاجتماعي: تجمع البطولة شعب البلد المضيف على حب الكرة، وتعزز روح الفخر الوطني. حضور الجماهير المحلية الكثيف يُشكل مشهداً مؤثراً.
- التنمية الاقتصادية غير المباشرة: تطوير أو تجديد الملاعب والبنى التحتية المرتبطة بالبطولة يترك إرثاً للبلد المضيف. كما تنشط السياحة والقطاعات الخدمية خلال فترة البطولة.
- نافذة عالمية: أصبحت البطولة محط أنظار بعض كشافي الأندية الأوروبية والآسيوية، مما يفتح باب الاحتراف الخارجي لنجومها.
- رفع مستوى الحكام والكوادر: توفر البطولة فرصة ممتازة لحكام ومدربي القارة للظهور على منصة كبيرة واكتساب الخبرات.
نظرة على الأفق: تحديات وطموحات
رغم نجاحها، تواجه البطولة تحديات:
- الفوارق الفنية: تظهر فجوات أحياناً بين المنتخبات ذات الدوريات القوية وتلك التي تعاني من ضعف الاستثمار المحلي.
- اللوجستيات: تنظيم البطولة في ظروف مثالية يبقى تحدياً لبعض البلدان المضيفة.
- المنافسة على الاهتمام: تجتذب البطولة اهتماماً أقل إعلامياً وجماهيرياً مقارنة بكأس الأمم الإفريقية الرئيسية (AFCON).
استعدادات وطموحات: التحدي القادم
مع كل نسخة جديدة، تبرز آمال وتوقعات:
خاتمة: أكثر من مجرد كأس
بطولة الـ CHAN ليست حدثاً رياضياً عابراً. إنها احتفاء بالجذور، وتأكيد على أن قلب الكرة الإفريقية ينبض بقوة داخل حدود القارة نفسها. هي منارة للأمل للاعب المحلي الذي يحلم بالشهرة دون أن يغترب، وحافز للدوريات المحلية لتطوير نفسها. في ملاعب الـ CHAN، تُروى قصص كفاح، وتُصنع أسماء جديدة، وتتجسد هوية كروية إفريقية نقية. بينما تستمر القارة في تصدير نجومها الساطعة إلى العالم، تبقى هذه البطولة تذكيراً قوياً بأن الماسة الخام تبدأ بريقها من هنا، من أرض إفريقيا.